كتبت هيذر هيلبرت أنّ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قلب التوقعات في واشنطن رأسًا على عقب خلال صيف مضطرب، بفرض رسوم جديدة على واردات من دول بينها سويسرا والهند، وعقد قمة مفاجئة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. يعكس هذا النمط قدرته على الاستحواذ على زمام المبادرة مرارًا، وصناعة العناوين، وإثارة الفوضى والتلذذ بها. وتوضح هيلبرت أنّ هذا ليس مجرد أسلوب اتصالي بل نهج أساسي في سياسته الدولية، يدفع قادة العالم للعيش في حالة ترقّب دائم تفقدهم المبادرة.
أكد تشاتام هآوس أنّ الأشهر المقبلة ستشهد مزيدًا من الاضطراب مع اقتراب انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تحتاج العواصم الكبرى إلى إدراك أنّ مجاملة ترامب قد تفيد تكتيكيًا لكنها لا تشكل استراتيجية. أحداث الصيف أظهرت أنّ الاعتماد على استرضائه لا يكفي، وأن المفاجآت المتكررة يجب ألّا تترك صناع القرار في موقف دفاعي.
تُبرز سياسات ترامب التجارية أنّ الوعود لا تحمل ضمانًا حقيقيًا. ما أعلن في أبريل عن "رسوم التحرير" اعتُبر بداية عصر تجاري جديد، لكن هيكلها تبدّل بلا توقف. التعليق المؤقت للرسوم تلاه اتفاقات متعددة، إلا أنّ النصوص المنشورة بدت مجرد أطر عامة لا اتفاقات مكتملة. الاتفاق الأوروبي الصادر في 21 أغسطس وصف نفسه خطوة أولى قابلة للتوسيع، بينما المفاوضات مع طوكيو ما زالت مفتوحة بشأن قطاعات رئيسية. أما الصين فبقي الاتفاق الشامل معها مؤجلًا مع استمرار الإعلان عن تفاهمات جزئية.
نالت الهند عقوبات مضاعفة برسوم 50% رغم أنّ واشنطن سعت لعقود إلى استمالتها. هذا يعكس ميل ترامب للفوضى ودمج الاقتصاد بالسياسة في سبيل مكاسب آنية، أبرزها إحياء عملية سلام بين أوكرانيا وروسيا. ففي يوليو هدّد بفرض رسوم ثانوية 100% على مستوردي النفط الروسي إن لم يُوقّع اتفاق خلال 50 يومًا، ثم عاقب الهند وحدها في أغسطس، قبل أن يتراجع بعد قمته مع بوتين ويؤيد نهج "المفاوضات قبل وقف إطلاق النار"، مع الإبقاء على العقوبات ضد نيودلهي.
في الوقت ذاته، أظهر سلوك الإدارة الأمريكية عداءً متزايدًا تجاه المؤسسات الدولية. واشنطن انسحبت من اتفاق باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية، ومجلس حقوق الإنسان، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، كما أغلقت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي كانت توفر أكثر من 80% من المساعدات. والأدهى أنّ البيت الأبيض قدّم للكونجرس خطة إنفاق لعام 2026 تتضمن خفضًا جذريًا لمساهمة الولايات المتحدة في صندوق النقد الدولي، مع حرمان ميزانية الأمم المتحدة ووكالاتها الأساسية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أي تمويل. كل ذلك بينما تواصل الإدارة المماطلة في مراجعة شاملة لكل المعاهدات والمنظمات الدولية التي تشارك فيها، ما يضع الجمعية العامة المقبلة تحت تهديد دائم يشبه مسدسًا معلّقًا في مسرحية تشيخوف.
حاول قادة العالم التكيف مع هذه الفوضى عبر تكتيكات شخصية. صرّح المتحدث السابق باسم بوتين، سيرجي ماركوف، قبل قمة ألاسكا أنّ "على بوتين أن يقدم هدية صغيرة لترامب ليبقيه في مسار السلام". رؤساء دول وحكومات اتبعوا المنطق ذاته: رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر سلّم ترامب دعوة لزيارة رسمية ثانية ممهورة بتوقيع الملك، فيما منحت قطر طائرة بوينج 747 لاستخدامها كطائرة رئاسية. منطق "الهدايا" انسجم مع أسلوب ترامب الذي وصف تنازلات الاتحاد الأوروبي في المفاوضات التجارية بأنها تضحيات شخصية لصالحه.
تكشف هذه الأمثلة أنّ الفوضى ليست عارضًا بل أداة يستخدمها ترامب لترسيخ حضوره على المسرح الدولي، بينما يظل القادة الآخرون محاصرين في ردود أفعال دفاعية، ما يفرض عليهم البحث عن استراتيجيات جديدة تتجاوز مجرد مجاملات شخصية أو تنازلات ظرفية.
https://www.chathamhouse.org/2025/08/flux-president-trumps-trade-and-foreign-policy-new-normal-can-world-leaders-regain-some